فصل: الشاهد الحادي والأربعون بعد الخمسمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.وصول إمداد الإفرنج من الغرب إلى عكا.

ثم تتابعت إمداد الإفرنج من وراء البحر لإخوانهم المحاصرين لعكا وأول من وصل منهم الملك ملك إفرنسة وهوذ فيهم وملكه ليس بالقوى هكذا قال ابن الأثير وعنى أنه كان مستفحلا في ذلك العصر لأنه في الحقيقة ملك الإفرنج وهو في ذلك العصر أشد من كانوا قوة واستفحالا فوصل ثاني عشر ربيع الأول سنة أربع وثمانين في ستة مراكب عظيمة مشحونة بالمقاتلة والسلاح فقوي الإفرنج على عكا بمكانه وولي حرب المسلمين فيها وكان صلاح الدين على معمر عمر قريبا من معسكر الإفرنج فكان يصابحهم كل يوم عن مزاحفة البلد وتقدم إلى أسامة في بيروت بتجهيز ما عنده من المراكب والشواني إلى مرسى عكا ليشغل الإفرنج أيضا فبعثها ولقيت خمسة مراكب في البحر وكان ملك الإنكلطيرة أقدمها وأقام على جزيرة قبرص طامعا في ملكها فغنم أسطول المسلمين الخمسة مراكب بما فيها ونفذت كلمة صلاح الدين إلى سائر النواب بأعماله بمثل ذلك فجهزوا الشواني وملؤا بها مرسى عكا وواصل الإفرنج قتال البلد ونصبوا عليها المنجنيقات رابع جمادي وتحول صلاح الدين لمعسكره قريبا منهم ليشغلهم عن البلد فخف قتالهم عن أهل البلد ثم فرغ ملك إنكلطيرة من جزيرة قبرص وملكها وعزل صاحبها وبلغ إلى عكا في خمس وعشرين مركبا مشحونة بالرجال والأموال ووصل منتصف رجب ولقي في طريقه مركبا جهز من بيروت إلى عكا وفيه سبعمائة مقاتل فقاتله فلما يئس المسلمون الذين به من الخلاص نزل مقدمهم وهو يعقوب الحلي غلام ابن شفنين فحرق المركب خوفا من أن يظفر الإفرنج برجاله وذخائره فغرق ثم عمل الإفرنج ذبابات وكباشا وزحفوا بها فأحرق المسلمون بعضها وأخذوا بعضها فرجع الإفرنج إلى نصب التلال من التراب يقاتلون من ورائها فامتنعت من نفوذ الحيلة فيها وضاق حال أهل عكا.

.استيلاء الإفرنج على عكا.

ولما جهد المسلمين بعكا الحصار خرج الأمير سيف الدين علي بن أحمد الهكاري المشطوب من أكبر أمرائها إلى ملك إفرنسة يستأمنه لأهل عكا فلم يجبه وضعفت نفوس أهل البلد لذلك ووهنوا ثم هرب من الأمراء عز الدين أرسل الأسدي وابن عز الدين جاولي وسنقر الأرجاني في جماعة منهم ولحقوا بالعساكر فازداد أهل عكا وبعث الإفرنج إلى صلاح الدين في تسليمها فأجاب على أن يؤمنوا أهل البلد ويطلق لهم من أسراهم بعدد أهل البلد ويعطيهم الصليب الذي أخذه من القدس فلم يرضوا بما فعل إلى المسلمين بعكا أن يخرجوا بجمعهم ويتركوا البلد ويسيروا مع البحر ويحملوا على العدو حملة مستميتين ويجيء المسلمون من وراء العدو فعساهم يخلصون بذلك فلما أصبحوا زحف الإفرنج إلى البلد ورفع المسلمون أعلامهم وأرسل المشطوب من البلد إلى الإفرنج فصالحهم على الأمان على أن يعطيهم مائتي ألف دينار ويطلق لهم خمسمائة أسير ويعيد لهم الصليب ويعطي للمركيش صاحب صور أربعة عشر ألف دينار فأجابوا إلى ذلك وضربوا المدة للمال والأسرى شهرين وسلموا لهم البلد فلما ملكوها غدروا بهم وحبسوهم رهنا بزعمهم في المال والأسرى والصليب ولم يكن لصلاح الدين ذخيرة من المال لكثرة إنفاقه في المصالح فشرع في جمع المال حتى اجتمع مائة ألف دينار وبعث نائبا يستحلفهم على أن يضمن الفداوية من الخلف والضمان خوفا من غدر أصحابه وقال ملوكهم إذا سلمتم المال والأسرى والصليب تعطونا رهنا في بقية المال ونطلق أصحابكم وطلب صلاح الدين أن يضمن الفداوية الرهن ويحلفوا فامتنعوا أيضا وقالوا ترسلون المائة ألف دينار والأسرى والصليب فنطلق من نراه ونبقي الباقي إلى مجيء بقية المال فتبين المسلمون غدرهم وأنهم يطلقون من لا يعبأ به ويمسكون الأمراء والأعيان حتى يفادوهم فلم يجبهم صلاح الدين إلى شيء ولما كان آخر رجب ركب الإفرنج إلى ظاهر البلد في احتفال وركب المسلمون فشدوا عليهم وكشفوهم عن مواقفهم فإذا المسلمون الذين كانوا عندهم قتلى بين الصفين قد استلحموا ضعفاءهم وتمسكوا بالأعيان للمفاداة فسقط في يد صلاح الدين وتمسك بالمال الذي جمعه لغيرها من المصالح والله تعالى أعلم.